الفصل الثانى : مهارات تتعلق بالمحاور والمخالف
1- لا تقاطع المخالف
من أكبر أخطاء الحوار أن تقوم بمقاطعة مخالفك أثناء تكلمه، فأنت بذلك:
1- تحرم نفسك من وصول فكرة الآخر كاملة والتى ربما تختلف فى نهايتها مع بدايتها، ولو أنك سمعتها كاملة كنت لتتفق معها.
2- تعطى انطباعا لدى محاورك انك شخص لا يسمع إلا لصوت نفسه وذو احكام مسبقة ولا يتعاطى مع عملية الحوار بشكل موضوعى
3- تخسر المتابعين، فبطبيعة النفس تميل لمساندة المظلوم والضعيف، وفى نظر الطرف الثالث أن قطعك لحديث محاورك هو نوع من التعدى على حقه واستضعافه.
2- الإنصات
عملية الإنصات هى عملية مهمة جدا فى سلسلة التواصل الفعال، ولا تكون فقط بالاستماع لكلام الآخر ولكن أيضا بالاهتمام به والتفاعل بكل الجوارح معه، بالنظر إليه باهتمام وإصغاء السمع له وإيماءة الرأس وحركة اليد، وتساعد عملية الإنصات فى توفير جو هادئ وايجاد مشاعر انسانية بينك وبين محاوريك حتى وان اختلفتم فى الرأى والفكرة. وتسمح لك بتفهم وجهة النظر الأخرى جيدا وبالتالى الرد عليها فى تركيز وموضوعية.
3- حافظ لمحاورك على حقه
نقطة أخرى أخلاقية قبل أن تكون من المهارات وفنون الحوار. وهى أن تحافظ على حقوق محاورك سواء كانت تلك الحقوق مطلوبة منك أنت أو من المقدم أو منسق الحوار أو كانت مطلوبة من متابعى الحوار.حفاظك على حق محاورك المخالف معك فضلا عن كونه خلق نبيل فهو أيضا يوطد العلاقة الإنسانية بينك وبين المحاور ويكسبك الثقة لديه ولدى المتابعين.ومن أمثلة حفاظك على حقوق محاورك:
1- منك انت : أن تشهد له بما تعرفه عنه من مواقف أو أقوال تزكيه، ولا تجعل خلافك معه سببا للتجنى عليه، أن تفسح له مكانا للجلوس والمناقشة بحرية."ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"
2- من مقدم الحوار أو منسقه : أن تطلب له وقتا كافيا ليشرح وجهة نظره، وان تطلب منه أن لا يقاطعه ليستطيع توضيح وجهة نظره وأن ترد عنه أى افتراء أو تحامل من المقدم تعلم أنت عدم مصداقيته.
3- ومن المتابعين للحوار : أن لا يتطاولوا عليه بكلام أو إشارات، وأن يتعاملوا معه المعاملة الكريمة حتى وان كانوا مخالفين لطرحه ومؤيدين لك، أن تطلب منهم الحيادية فى الحكم والتعامل وأن لا يكون تعصبهم لشخوص المحاورين بقدر ما يكون لاقتناعهم بالأفكار والأدلة المطروحة.
4- كسب الأشخاص والقلوب أهم من كسب المواقف
هى نصيحة صحيحة ومهمة جدا، ولكن على أن توضع فى محلها، ولا يكون كسب الشخص على حساب الحق والفكرة، وإنما المقصود منها :أن توجد لمحاورك مخرجا فى الحوار إذا وصل لطريق مغلق . ويعنى أيضا أن لا تلجأ مثلا لإحراج محاورك حتى وان كان ذلك سيكسبك الموقف والمناقشة ولكن على حساب خسرانك للمحاور نفسه.ومنها أن لا تنتشى بانتصارك على مخالفك فى الحوار، وأن لا تحتفل بانتصارك عليه وتعلن ذلك وتكرره مما يورثه عنادا أكبر، بل الأولى أن يلمس هو داخليا والمتابعين للحوار انتصارك عليه دون أن يظهر عليك الفخر بذلك.إذا ليكن دوما فى ذهنك ترتيب للأولويات
1- الحق وقضيتك
2- المحاور والمخالف نفسه والحفاظ على علاقات إنسانية مع المخالفين
3- كسب المواقف
5- احترام عقلية الآخر واجتهاده ومرجعياته وعلمائه وأساتذته
مهم جدا فى أثناء نقاشك مع المخالف أن تظهر احترامك لرأيه حتى وان كنتما مختلفين كل الاختلاف فرأى المرء والذى هو وليد ثقافاته وخبراته على مدار سنين حياته بالتأكيد يمثل جزء من شخصه، وهجومك عليه يترجم تلقائيا ولا إراديا لديه على أنه هجوم على شخصه، وكذلك علينا أن لا نسفه من ثوابته ومرجعياته وقادته وعلمائه. فبالتأكيد لا يقبل أى واحد منا أن تهاجم ثوابته وثقافاته، فمهما كانت تلك المرجعيات والثقافات مخطئة ومضللة فى نظرى إلا أنها بالنسبة له تمثل رمزا وشيئا كبيرا، وهجومك عليها سيدفعه بالتبعية ليهاجم مرجعياتك وثقافاتك، بما يخرج بالحوار عن هدفه ويتحول لسجالات شخصية فى الدفاع عن المرجعيات والثقافات.
يقول الله عز وجل : " لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" فى أمر للمؤمنين بعدم سب أوثان المشركين ومقدساتهم الباطلة حتى لا يتعرضوا لله عز وجل بالسب عن غير علم.
6- إحسان الظن والبعد عن اتهام الضمائر
ينبغى حينما نحاول أن نفهم آراء المخالف أن نسبق بحسن الظن فيه وفى هدفه من هذا الرأى والموقف، وأن لا نتحرك فى اتجاه اتهام الآخر فى نيته وهدفه. فما أسهل أن يلجأ البعض لهذه الوسيلة من الخوض فى الأعراض والنوايا متهربا بذلك عن مجابهة الفكرة بالفكرة والرأى بالراى والحجة بالحجة.فاتهام النوايا هو بمثابة الهروب من الميدان الأساسى للنقاش والحوار بلغة العقل والحجج إلى ميدان آخر لغته السب والشتم والتشكيك فى النوايا والتفتيش فى الضمائر.
7- الموقف من استفزازات محاورك
قد يلجا محاورك فى بعض الأحيان لاستفزازك، وينبغى أن يكون المحاور الجيد متنبها لتلك المحاورات ولا ينساق خلفها، فانسياقك خلف استفزازات الخصم يفقدك هدوءك و تركيزك فى الحوار، وتعطى لمحاورك ببساطة مفتاحا سحريا للتغلب عليك، فمادام قد اكتشف نقطة الضعف هذه فيك فسيلعب عليها كثيرا، وقد ينتج عن هذا الاستفزازات الدخول فى مرحلة من التشنج والانفعال تفقد المحاور قضيته ويخسر أيضا معها المتابعين للحوار.ويجدر التنبيه هنا أيضا إلى أنه عليك أنت أيضا أن لا تسعى لاستفزاز محاورك فالهدف من الحوار أبعد من أن يكون تحقيقه عبر استفزاز الخصم لإفقاده منطقية وهدوء الحوار.
8- تفهم رأى الآخر وتبنى فكرته
جرب دوما هذه التجرية وهى أن تتبنى الفكرة المخالفة لرأيك وعش دور المدافع عنها والداعى لها –برغم أنك شخصيا لست مقتنعا بها - ، وبالغ فى ممارسة التجربة وابحث عن أدلة منطقية وموضوعية لتقتنع بالفكرة الأخرى.ستجد النتائج عجيبة وهى قدرتك على إيجاد مصوغات ومبررات منطقية للاقتناع بالفكرة الأخرى، هذا سيساعدك على تفهم دوافع مخالفك الرأى وأدلته ومبرراته مما يجعلك أقدر على النقاش معه وإقناعه والرد على أدلته ومبرراته.
9- التعامل بالمساطر
علينا أن نتعامل مع المحاورين والمخالفين بمساطر مختلفة، كل مسطرة يقاس بها شيئ، وكل شخص يقاس بأكثر من مسطرة. وكل موقف يستخدم له المسطرة المناسبة لقياسه ومن ثم الخروج بالنتيجة.فهناك مثلا المسطرة العقائدية، ومسطرة التعاملات، ومسطرة السياسة ومسطرة المستوى العلمى ومسطرة السلوكيات واخرى للأخلاقيات .... وغيرها. فقط علينا أن نستخدم المسطرة المناسبة فى الوقت المناسب لنطلق الحكم المناسب وهكذا ...فعلى سبيل المثال على أن أفرق بين أن أكون مختلفا عقائديا مع شخص ما وبين أن أكون متفقا معه فى جانب آخر، مثلا اتفق معه فى المجال السياسى فى محاربة الفساد والمحسوبيات. ففى حال الحديث عن العقيدة هنا بالتأكيد بيننا اختلاف، ولكن فى حال حديثنا السياسى يجب أن لا يلقى الخلاف العقائدى بظلال وارفة على الحديث السياسى.رسول الله صلى الله عليه وسلم برغم اختلافه العقائدى مع كفار قريش وعبادتهم للأصنام إلا أن هذا لم يمنعه سياسيا أن يبدى رغبته فى أن يدخل حلفا معهم يهدف لنصرة المظلوم وتأمين عابر الطريق وهو حلف الفضول، يقول رسول الله " لقد دعيت لحلف لو دعيت له فى الإسلام لأجبت"وفى موقف آخر برغم الاختلاف العقائدى بين الرسول واليهود إلا أن هذا لم يمنعه صلى الله عليه وسلم من أن يتعاون امنيا معهم فى حماية المدينة وتأمينها من أى عدوان عليها.ومثلا فى وقتنا الحاضر لا ينبغى أن نسوى بين القبطى المصرى الذى يشاركنا النضال السياسى وبين أقباط المهجر ومحاولاتهم لتشويه مصر واستعداء الغرب وأمريكا عليها. مما سبق فإنه علينا أن نقيس الشخص الواحد بمساطر متعددة ومن بعدها نقدم قياس المسطرة المناسبة للحدث وموضوع الحوار، مع الاحتفاظ بباقى القياسات فى خلفيات فكرنا دون أن تطغى قياساتها على قياسات المسطرة المناسبة للحدث.استخدامك لهذه المساطر بحرفية سيؤهلك للحصول على قياسات دقيقة حول مساحات المرجعيات والأدلة التى يمكنك استخدامها فى دعم الحوار "سياتى تفصيل هذه النقطة لاحقا فى مهارات رسالة الحوار"
10- ابدأ كلامك مع المخالف بالثناء عليه.
من الجميل أن تبدأ حوارك مع الآخر بالثناء عليه ، سواء كان هذا الثناء على رأى طرحه أو موقف اتخذه أو على تاريخه وماضيه أو حتى على أمر شخصى كأسلوب حديثه وطريقة تعبيره وانتقائه للكلمات أو حتى تكبده للمشاق للحضور أو لأناقة ملبسه أو .. أو ..ولو حتى كان هذا الثناء بأبسط الكلمات المجاملة أو الدعاء كمثل أن تقول له "جزاكم الله خيرا أو بارك الله فيك"ومن شأن البدء بالثناء على الآخر أن يحقق أمرين:
1- أن تعيش أنت شخصيا فى جو شعورى هادئ غير متشنج وبالتالى تتلافى العديد من المحاذير التى يجب تجنبها أثناء عملية الحوار.
2- فتح قنوات اتصال إنسانية مع المحاورين بشكل سريع ومباشراستخدام اسم المحاور الشخصى ولقبه وكنيتهاستخدام الأسماء يضفى جو من الألفة ويكسر العديد من الحواجز بين المتحاورين، ويعكس احتراما متبادلا.
فى انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة 2007 قال بعض المحللون الفرنسيون لن تنجح "رويال" - مرشحة الرئاسة- فى الوصول لمنصب رئيس الجمهورية الفرنسية ما لم تكسر الحاجز النفسى لديها وتنطق باسم منافسها "ساركوزى".حيث كانت "رويال" تتعمد دوما فى احاديثها أن لا تذكر اسم منافسها "ساركوزى" وانما تشير له فقط بكلمات مثل الشخص الآخر، المرشح الآخر، مرشح اليمين...